” القلب البارد ” عندما فكّر جرّاحو القلب لأوّل مرّة بصنع

” القلب البارد ”

عندما فكّر جرّاحو القلب لأوّل مرّة بصنع آلة القلب والرّئة الصناعية للتغلب على المشاكل التي واجهتهم في جراحة القلب المفتوح من نبضان القلب ووجود الدم في الأجواف والحاجة لبديل يعمل عمل الرئة، ابتكروا المضخة و المؤكسج وحقنوا القلب بالمحلول الشال لإيقافه في حالة انبساط، لكنهم وقفوا في النهاية أمام مشكلة أخيرة.

فقد أمّنوا التّروية لجميع أعضاء الجسم، إلا القلب الذي يجرون عليه الجراحة، فقد خنقوه و قطعوا عنه الأوكسيجين، وإن استمرار هذه الحالة سيؤدي لبدء الاستقلاب اللاهوائي و الدخول في حالة حماض استقلابي، نتيجته الموت بسبب الصدمة اللاعكوسة.

إذاً كان الجراح في سباق زمني مع الخلية القلبية، ومن هنا جاءت فكرة “تبريد القلب” في الجراحة، مما يعني خفض درجة الحرارة وخفض معدل الاستقلاب و بالتالي خفض الحاجة للأوكسجين.

وكان ” القلب البارد” هو الحل لحالة تم إنقاذ القلب فيها بحنكة طبية من الموات حتى إنهاء الجراحة.

أما التوصيف المجازي لـ ” القلب البارد” يتطلب معرفة بـ “القلب الساخن” !!

إن كنت من أولئك الذين يحترقون بسرعة من كلمة واحدة، إن كنت من أولئك الذين تشعلهم شرارة وتجعلهم يهبّون دفعة واحدة، إن كنت من أصحاب دارات التلقيم الرّاجع الإيجابي التي تعزز شعورهم بالغضب و الحزن و النقمة.. فهذا الكلام لك.

إن حالات الانفعال هي التّوصيف المجازي الذي سمّيناه القلب السّاخن، هي الحالات التي تشعر فيها وكأن بركان من حمم لا أحد يتلظّى بها و يشعر بأذاها غيرك، عندما تثور تتصاعد حممها من فمك، إنها قاتلة ليست فقط لقلبك بل لكل خلاياك، أنها تفتك بك من الداخل وتستقلب راحتك وسلامك.

ولا سبيل للتخلص من أذاها إلا بامتلاكك “قلب بارد”، توقّفت فيه كل العمليات الحيوية التي من شأنها أن تستهلك أوكسجين روحك، وأن تستقلب مزاجك مستخدمة كلّ أشكال الطاقة.

ربّما نحتاج في فترة ما لحقن قلوبنا بالمحاليل الشالّة ونحتاج لوضعها في ثلاجة، نحتاج ونحن في رحلة حياتنا أن نتعلّم كيف نزج بحرارة مشاعرنا في ثلاجة الموتى ريثما نعمل على إصلاح عطب ما.

إن الجراحة هي حالة شدّة تطلّبت النّجاة منها تبريد القلب و تبريد الدّم، فلا بأس ببعض التّوقف ريثما يتم إصلاح خلل ما، وكذلك في العالم الموازي خارج غرفة العمليات.

ستتعلّم فنّ التّبريد والتّجميد، وستجد نفسك بعد مرحلة من الخسارة تعلّمت الحفاظ على قلبك بمهارة.
د. مايا معلا

(سماعة حكيم)