الولايات المتحدة وسؤال أين المفر.. الصين في كل مكان؟
تاريخ النشر: الخميس, 28-10-2021
مها سلطان – ملف سياسي
رغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سكت في الصباح عن الكلام المباح حول تايوان.. ولا يزال على سكوته منذ يوم الجمعة الماضي، إلا أن كلامه لا يزال يلف ويدور في أجواء المنطقة (وجوارها) دون أن يجد المراقبون والخبراء مستقراً لما يمكن أن يقود إليه كلام بايدن عن أن «الولايات المتحدة ستساعد تايوان في حال تعرضت لهجوم من الصين». لكن الجميع يفترض، بديهياً، أو يتفق على أن هذه المساعدة ستكون عسكرية ما دام الهجوم الصيني سيكون عسكرياً، أي أن الولايات المتحدة – كما يُفهم من كلام بايدن – ستدخل في مواجهة/حرب عسكرية مباشرة مع الصين.
فريق يفترض أن المواجهة ستحدث حتماً.. إذ لا مفر منها بالنسبة للولايات المتحدة التي ترى أن الصين باتت في كل مكان، وأنه لا بد من التحرك اليوم قبل الغد، ولكن قبل ذلك تريد الولايات المتحدة ضمان أن لا يخرج هذا التحرك عن نطاقه الجغرافي المحدد، بحيث لا يجر عواقب وخيمة عليها.. وتريد أن تكون متيقنة من أن حلفاءها الجدد في منطقة المحيطين الهادئ والهندي سيكونون على قدر المواجهة التي تريدها.
وفريق يفترض أن الولايات المتحدة لن تغامر مع الصين، فهي تعرف جيداً أنها لن تكون قادرة على احتواء التداعيات والعواقب، هذا عدا عن أن المواجهة مع الصين غير متاحة، بمعنى ليست في متناول يد الولايات المتحدة، أي غير قادرة على القيام بها، فالصين أقوى من أن تفكر الولايات المتحدة في مواجهتها أو الوقوف في وجهها عسكرياً إذا ما أرادت حل قضية تعتبرها شأناً داخلياً، حيث تايوان جزء من الأراضي الصينية، ولا بد من استعادتها واستعادة وحدة الأراضي الصينية و«بالقوة إذا لزم الأمر» كما أعلنت الصين في مرات عدة.
*** المتوقع والمتاح
البيت الأبيض في تعقيبه على كلام بايدن لم يخرج عن المتوقع لناحية أن لا خلفيات كامنة ولا نيات مبيتة، قائلاً: إن «الرئيس بايدن لم يُعلن عن أي تغيير في سياستنا، وليس هناك تغيير في سياستنا».
إذاً، هل هي زلة لسان، هل جاء كلام بايدن في سياق إحدى سهواته حيث تختلط عليه القضايا فيأتي بكلام في غير محله؟
لا هذه ولا تلك.
في السياسة عموماً ليس هناك من زلات لسان ولا من سهوات، فكيف إذا كنا نتحدث عن السياسة الأميركية؟.. وإذا ما تعمقنا قليلاً فيها سنجد كل الأجوبة، حتى عندما يخرج عن مسؤوليها تصريحين متضادين في الوقت نفسه كأن يضيف البيت الأبيض بعد تعقيبه آنف الذكر بأن الولايات المتحدة لا زالت «متمسكة بالتزاماتها بموجب القانون لدعم “حق الدفاع عن النفس “لتايوان ومعارضة أي تغييرات أحادية الجانب في الوضع الراهن».. والمقصود هنا قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979«والذي ينص على بيع تايوان السلاح اللازم للدفاع عن نفسها بشكل مناسب».
المحللون والمراقبون يرون أن الإجابة تكمن هنا في هذا القانون الذي لا يوضح في أي من فقراته ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً في مرحلة ما لمصلحة تايوان ضد الصين. الولايات المتحدة تسمي هذا اللاوضوح العسكري بسياسة «الغموض الإستراتيجي» وتقول إن هذه السياسة هي من فرض «السلام» وحال دون وقوع مواجهة عسكرية من خلال إبقاء الجانبين في «حالة تخمين» حول موقف الولايات المتحدة، فلا تايوان متأكدة من أن الولايات المتحدة ستدافع عنها في حال قررت الصين حلاً عسكرياً لتحقيق «لم الشمل» ولا الصين متأكدة من أن الولايات المتحدة يمكن أن تغامر وتدخل على خط ذلك الحل العسكري.
*** ما كان وما سيكون
هذا ما كان عليه الأمر منذ عام 1979، ولكن ما كان لا يبدو أنه يصح الآن، وباتت الأصوات تتعالى في الولايات المتحدة بضرورة الانتقال إلى سياسة الوضوح الإستراتيجي، فالصين باتت على الأبواب، وهي لم تعد تحتاج إلى استئذان للدخول، حتى أن الولايات المتحدة ستجد نفسها في المرحلة المقبلة هي من يفتح الأبواب لها..
هل حقاً هذا ما سيحدث؟
في الولايات يتحدثون عن ذلك وكأنه واقع غداً، لذلك لن يكون كلام بايدن يوم الجمعة الماضي، الكلام الأخير. وأغلب الظن أننا لن ننتظر وقتاً طويلاً حتى نسمع كلاماً مماثلاً من بايدن أو من غيره في الإدارة الأميركية. لنعيد التذكير هنا بما قاله وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (تزامناً مع كلام بايدن) في مؤتمر صحفي رداً على سؤال حول رد فعل واشنطن على هجوم صيني محتمل على تايون. أوستن قال: لن أشارك في التكهنات، لكننا لن نتردد في مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها، مع الالتزام بسياسة «صين واحدة».
ظاهرياً، لا يخرج جواب أوستن عن سياسات الغموض الإستراتيجي. أما عملياً فهو يرسل إشارات واضحة بأن الولايات المتحدة ستتدخل، كيف ولماذا؟
في الأجوبة تفاصيل كبيرة وصغيرة، تتعدد وتتشعب، ويمكن هنا أن نجمل الأبرز منها:
– كما هي تايوان خط أحمر بالنسبة للصين، فإن هذه الأخيرة أي الصين هي خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن بصورة مختلفة طبعاً، ولا يصح هنا مقارنة الوضع الأميركي مع الصين مع أي وضع آخر، كأن يجري مقارنته مع أفغانستان أو فيتنام على سبيل المثال، فلم يسبق أن شكلت دولة ما أو قوة ما -منذ الاتحاد السوفييتي- تهديدا حقيقياً مباشراً للولايات المتحدة كما هي الصين اليوم، لا بل إن المسؤولين الأميركيين يصنفونها أخطر بكثير من الاتحاد السوفييتي، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستلعب بكل الأوراق المتاحة بما فيها الخطوط الحمراء بالنسبة للصين، وعلى رأسها تايوان.
– في كل حروبها وهجماتها وتدخلاتها العسكرية السابقة، كانت الولايات المتحدة مدعومة دولياً، ومن لم يدعمها من الدول كان يقف على الحياد، أو يتدخل بصورة غير مباشرة وبما لا يؤثر على المخططات الأميركية، هؤلاء كانت الولايات المتحدة تتعامل معهم من منطلق (أعطيك وأمرر لك بعض المكاسب هنا وهناك، مقابل أن تترك الساحة هنا). وهكذا كانت الولايات المتحدة تكسب وتتسيد في كل مرة دون منازع أو منافس.. أما مع الصين فإن الوضع مختلف كلياً. الصين كدولة وكقوة هي الخصم الأقوى والأكبر، على كل المستويات، ولا ينفع معها مكاسب هنا ومصالح هناك. إنها تزاحم الولايات المتحدة في كل شيء. هذه المزاحمة بالقاموس الأميركي هي حرب عليها، أما في القاموس الصيني فهي حماية وتأمين للحقوق والسيادة وردع للأطماع الخارجية.
صحيفة تشرين