ورغم أن المسافة بيني وبين باب المشفى لا تصل لخمس دقائق إلا أن العاصفة ضبطت ساعتها ولوّحت لي وكأنني في نَصّ الليلة الفائتة طلبت يدها من الوالد.
المطر يهطل بغزارة تعيق التقدم وكدت أجزم أن الأوزان الخفيفة من المارّة جرّبت الليلة متعة الطيران.
العاصفة تشتَدّ وتشلّ حركة عظامي، تصفع وجنَتَي بطريقة مؤلمة، تحجب عن عيوني الرؤية وتبلّل شعري الذي بقيت أعتني بتسريحته منذ الليلة الفائتة.
دقائق قليلة وبدا الماء يسري بجسمي بدلَ الدماء.
في تلك اللحظة، تشعُر ببشاعة الغرق، فلا أمان للعواصف التي تهبّ طامعة بالخراب وتذهب تاركة خلفها ألواناً من العذاب.
في تلك اللحظة ترجف روحك كلّها، تعرف أن الحقيقة مؤلمة لكنها مغطاة بغطاء المجاز الرقيق.
وبأن مرارة الوقوف في المنتصف لا يشعر بها إلا عالق في وحل الطريق.
عدت إلى البيت مُحمّلة بالحرارة والوهن العام، عدت بعيون محتقنة وآلام في الأذن لا يهدأ ألمها ولا يرتاح، عدت بصداع أكل رأسي حتى ساعات الصباح.
وتعلّمت ألا أأمن العواصف، أمي تقول أن الحبّ لا يلفّنا بكل هذا القلق، وأن الذين يحبوننا سيصونون قلوبنا من الغرق.
أمي تقول أن مطرهم الخفيف سيهطل بدون عواصف عمياء، وبأننا سنعود آخر الليلة إلى بيوتنا معهم محمّلين بالدفء والاحتواء.
على كل حال…
أنا اليوم كرهت العواصف وكرهت المطر وكرهت معهم كل فصل الشتاء.
د. مايا معلا
(سماعة حكيم)
♥️♥️♥️♥️