تعزيز مشاركة المتعلمين في مؤسسات التعليم العالي في الوضع الطبيعي القادم Next Normal
تعليم جديد، أفكار تعليمية جديدة، تعليم مختلف: تعزيز مشاركة المتعلمين في مؤسسات التعليم العالي في الوضع الطبيعي القادم Next Normal التعليم في وزارة التربية والتعليم العالي
#تعزيز #مشاركة #المتعلمين #في #مؤسسات #التعليم #العالي #في #الوضع #الطبيعي #القادم #Normal
“الوضع الطبيعي القادم أو ما يطلق عليه مصطلح “Next Normal” هي الفترة التي تأتي ما بعد مرحلة جائحة كورونا “الوضع الطبيعي الحالي” والتي نسعى من خلالها الاستفادة من الابتكارات والتكيّف الذي تم في الوضع الحالي: التعلم عن بعد في حالات الطوارئ وتهجيرها إلى مرحلة الوضع الطبيعي القادم Next Normal“.
عام مر على إغلاق المدارس في معظم دول العالم حيث فرضت الجائحة على صانعي القرار التكيف مع توظيف التكنولوجيا للاستمرار في التعليم وتقديم الدعم للمتعلمين في ظل التباعد الاجتماعي والإغلاق الكامل للمؤسسات التعليمية. التحوّل المفاجئ وغير المخطط له من التعليم الوجاهي إلى التعلم عن بعد في حالات الطوارئ وبشكل إجباري أدى إلى اعتماد قسري على التكنولوجيا في نشر الخدمات التعليمية بالرغم من أن العديد من مؤسسات التعليم العالي كان من ضمن خططها التحول إلى التعلم عن بعد ولكن بشكل محدود. لا نستطيع إنكار محاولات العديد من مؤسسات التعليم العالي في الدول العربية الاستفادة من التكنولوجيا في التعليم عن بعد، هناك العديد من التجارب للتعلم عن بعد في تلك الجامعات ولكن بشكل محدود ومختصر على بعض أعضاء الهيئة التدريسية في تلك الجامعات ولم يكن إجباريا، ولكن التحول المفاجئ قلل من الفترة الزمنية المستغرقة للتحول الرقمي من بضع سنين وشهور إلى أيام معدودة (سلمي وآخرون، 2020).
أدى التحول الرقمي في التعليم في الوضع الطبيعي ما قبل جائحة كورونا إلى حدوث فاقد تعليمي لعدة أسباب تتعلق بتصميم المحتوى، البنية التحتية، الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالإضافة إلى افتقار العديد من المتعلمين للأجهزة التكنولوجية. وقد أدى هذا التحول المفاجئ والذي أصبح حاليا وضعا طبيعيا للتباعد الاجتماعي والحد من العادات والتقاليد الاجتماعية، إلى مضاعفة الفجوة الرقمية، وانتهاك الخصوصية الرقمية ومضاعفة الفاقد التعليمي. لسنا هنا بصدد كيفية قياس الفاقد التعليمي الناتج عن التحول الرقمي في ظل الأزمات أو غيرها، ولكن هنا نريد أن نركز على المكتسبات التي استطعنا الوصول إليها في ظل جائحة كورونا في مجال التعلم عن بعد ونقل تلك المكتسبات إلى الوضع الطبيعي القادم Next Normal بعد انتهاء أزمة كورونا، حيث بدأت مظاهر العودة إلى الوضع السابق ما قبل كورونا تلوح في الأفق.
الوضع الطبيعي القادم Next Normal عبارة عن الوضع الطبيعي ما بعد جائحة كورونا، والسؤال الذي يطرح نفسه هل سيتم الاحتفاظ بالمكتسبات التي تم تحقيقها في عملية التعلم عن بعد في حالات الطوارئ وتهجيرها إلى الوضع الطبيعي القادم في التعليم العالي؟
تعلمنا سابقا أن الحاجة أم الاختراع، وقد كان هناك حراك قوي خلال العام المنصرم من حيث تدريب المعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية في مؤسسات التعليم العالي على توظيف التكنولوجيا في التعليم وتصميم المحتوى والتقييم عن بعد وما إلى ذلك، وتم ابتكار أساليب متنوعة في عملية التقييم عن بعد بالإضافة إلى السعي إلى النمو المهني للدارسين بالإضافة إلى التعلم الذاتي لكيفية استخدام المنصات. اتبع الممارسون طرقا عديدة في دمج وتشجيع المتعلمين على الانخراط في الأنشطة الرقمية باستخدام أبسط الأدوات المتوفرة في وسائل التعلم المتزامن وغير المتزامن. والسؤال المطروح: هل تنتهي هذه الابتكارات والتكيّف الذي حدث بمجرد الوصول إلى الوضع الطبيعي القادم؟
كفريق بحثي من جامعة النجاح الوطنية في فلسطين، قمنا بمجموعة من الأبحاث المتعلقة بالتحول الرقمي في ظل جائحة كورونا ليس في داخل فلسطين فقط وإنما امتدت أيضا إلى دول مثل ليبيا وأفغانستان من أجل معرفة كيفية التعامل مع الوضع الجديد في ظل التعلم عن بعد في حالات الطوارئ، من خلال هذه المقالة القصيرة وتلخيصا لما وجدناه في الأبحاث أستطيع أن أرشح مجموعة من الممارسات التي تم ابتكارها والتكيّف معها في التعلم عن بعد في حالات الطوارئ وتهجيرها “ترحيلها” إلى مرحلة الوضع الطبيعي القادم Next Normal والتي يمكن من خلالها الاعتماد على التعلم عن بعد في الوضع الطبيعي القادم كداعم للتعلم الوجاهي، وهذه الاقتراحات هي:
1- المشاركة المعتمدة على المتعلمين في عملية التعلم
مشاركة المتعلمين هو نهج بنائي للتعليم والتعلم، فاستخدام استراتيجية التعلم بالممارسة وتشجيع التعلم النشط في بيئة التعلم عن بعد في حالات الطوارئ أعتبرها من أفضل الممارسات في التعليم الجامعي، ولقد رصدنا مجموعة من الممارسات Best Practices من قبل العديد من الزملاء والتي تستحق النشر والتركيز عليها مثل تصميم مهام العمل التعاوني، تصميم محتوى تفاعلي قائم على التعلم من خلال التصميم، احترام أفكار المتعلمين التي يتم طرحها في منتديات النقاش ومجتمع الممارسة. ويمكن اعتبار ذلك من أفضل الممارسات التي تساعدنا في دمج المتعلمين في الوضع الطبيعي القادم.
2- التركيز على استخدام التكنولوجيا الناشئة لتعزيز العمل التعاوني
هناك العديد من التطبيقات التي ظهرت بصورة مفاجئة والتي ساهمت في استمرار التعلم عن بعد في حالات الطوارئ والتواصل مع المتعلمين لتقديم الخدمات غير التعليمية للمتعلمين كالدعم النفسي مثل: تطبيق زوم وتطبيق تيمز، والتي ساهمت الخصائص المتوفرة فيها ، مثل : تجزئة الغرفة الرئيسية إلى غرف فرعية وفق المشاريع التي يعمل عليها المتعلمون، بالإضافة إلى تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي ومن أبرزها تطبيق تيك توك والذي يمكننا من خلاله إنشاء مجتمع للتعلم على عدة مستويات تبدأ من مستوى المقرر أو الصف إلى مستوى المؤسسة التعليمية. إن تلك التطبيقات قد ساعدت على إنشاء مجتمع تعليمي على تلك المنصات قائم على مقاطع الفيديو القصيرة والتي لا تتجاوز بضعة دقائق من خلال استخدام استراتيجيات nano-learning. استخدام التكنولوجيا الناشئة لا يوفر استخدام المنصات التعاونية ومنتديات النقاش والمدونات وأنواع الملفات الأخرى طريقة لتدوين ملاحظات العمل التعاوني فحسب، بل يوفر أيضًا للمتعلمين والممارسين طريقة لعرض مخرجات المجموعات التعاونية في نشاط تعليمي وتزويدها بالتغذية الراجعة والتعليقات التي تساعد في بناء المعرفة وتحسينها.
فعلى سبيل المثال، يمكن للمتعلمين الموجودون في مجتمع التعلم على منصة Tik Tok استخدام خاصية الردود والتعليقات لاضافة أسئلتهم واستفساراتهم أو مساهمتهم على الفيديو الذي تم نشره. لقد أشار العديد من المتعلمين في الأبحاث إلى أهمية هذه الخاصية للمتعلمين الذين يتحفظون على التحدث علنًا وكذلك الطلاب الذين يجدون صعوبة في صياغة الأفكار المنطوقة بلغة ثانية. يمكن أن تكون المشاركات فردية أو جماعية، إذا رغب المدرس بذلك، مع تعزيز المشاركة بين الطلاب من نظام ثقافي مجتمعي. يمكن للمدرسين مراقبة النشاط واتخاذ الإجراءات لتسهيل الفهم وزيادة المشاركة.
التكنولوجيا الناشئة الداعمة للعمل التعاوني تقوم على ثلاثة مبادئ وهي: تفاعل المتعلمين بالمحتوى، تفاعل المتعلمين مع المعلم، وتفاعل المتعلمين مع بعضهم البعض، من خلال الردود والمشاركة حيث تؤدي إلى زيادة تبادل الأفكار والأساليب فيما بينهم، ومساعدة المتعلمين على تطوير مهارات التفكير النقدي من خلال مراجعة الأقران والتحليل الناقد لردود الاخرين، وإشراكهم في الوقت المناسب، إن الاحتفاظ بتلك الممارسات في الوضع الطبيعي القادم أمر مفيد في دعم التعلم الوجاهي.
3- المتعلمون خبراء في التعلم والتكنولوجيا
أدى التعلم عن بعد في حالات الطوارئ إلى زيادة الإجهاد التقني Technostress لدى أعضاء هيئة التدريس والموظفين لتلبية احتياجات التعلم والتكنولوجيا المتزايدة والمتنوعة للمتعلمين. المتعلمون الذين لديهم مهارات متقدمة في استخدام التكنولوجيا مفيدون جدا ليس فقط لأعضاء الهيئة التدريسية وإنما أيضا لزملائهم الذين هم أقل حظا في استخدام التكنولوجيا. يمكن الاستفادة من هؤلاء المتعلمين ليكونوا مساعدي تعليم من أجل تقديم المساعدة لأقرانهم وأيضا لعضو هيئة التدريس.
4- القنوات الخلفية للاتصال والتواصل
التكنولوجيا المستخدمة في ظل جائحة كورونا سمحت بإنشاء فرص للتواصل مع المتعلمين من خلال جمع الملاحظات أولا بأول من خلال الدردشة، واستخدام خاصية استطلاع الرأي، وطرح الأسئلة وتبادل الأفكار. توفر هذه الأدوات الجانبية أدى إلى زيادة التواصل ما بين المتعلمين وأعضاء الهيئة التدريسية بشكل غير رسمي ولكنه مهم جدا للحصول على التغذية الراجعة بشكل فوري لتحسين المخرجات التعليمية. بالإضافة إلى ذلك فإن خاصية تسجيل المحاضرات ومشاهدتها من قبل المحاضر مع طلابه، تعطي فرصة للنقد الذاتي والمراجعة من أجل تحسين الأداء من خلال الحصول على ملاحظات واقتراحات من المتعلمين لتحسين المحتوى لما يلبي احتياجات المتعلمين.
الاستمرار في توظيف قنوات الاتصال الخلفية مع جميع المتعلمين في التعلم عن بعد في الوضع الطبيعي القادم سيوفر وضع اتصال مهم للمتعلمين للتفاعل مع الأفكار والمدرس ومع بعضهم البعض. أعتقد أن القنوات الخلفية هي أدوات تعليمية قيمة، سواء للتعلم أثناء الجائحة أو للتعلم في الوضع الطبيعي القادم.
5- القاعات الفرعية Break Rooms
بعض التطبيقات المستخدمة في التعليم عن بعد في حالات الطوارئ، وفرت خاصية تقسيم القاعة الرئيسية إلى قاعات فرعية يتم تقسيم المتعلمين عليها للعمل سويا تحت إشراف المعلم. كذلك يمكن استخدامها لتقديم الدعم للطلبة وتقسيمهم وفق احتياجاتهم الفردية. توفر القاعات الفرعية طرقًا للتفاعل مع المتعلمين: يمكن للمدرسين تعيين مشكلة لحلها، أو دراسة حالة للتلخيص، أو موقف لتحليله، أو اتخاذ قرار بالنقد، أو أي عدد آخر من الأنشطة التعاونية.
إذا كان الاستخدام المخطط للقاعات الفرعية يعزز المشاركة والتعلم، فإن بيئة غرفة الاجتماعات الفرعية نفسها توفر فائدة إضافية للأدوات الرقمية (على سبيل المثال: اللوحات البيضاء، والدردشة ومشاركة الشاشة، والبحث على الإنترنت).
6- تسجيل الجلسات والمحاضرات المتزامنة
تسجيل الجلسات والمحاضرات المتزامنة أصبح تقليدا متبعا في التعلم عن بعد في حالات الطوارئ ويعود ذلك إلى عدة أسباب من بينها عدم حضور جميع المتعلمين البث المباشر بسبب إما مشاكل فنية أو اجتماعية، لذلك فتوفير التسجيلات المكملة للنشاطات المباشرة تأتي ضرورة ملحة لتحقيق نوع من المساواة الرقمية قدر الإمكان (خليف وآخرون، 2020)، وللتقليل أيضا من انتهاك الخصوصية الرقمية (خليف وآخرون، 2021). الاستمرار في تسجيل المحاضرات في الوضع الطبيعي القادم ربما يؤدي إلى تقليل الفجوة الرقمية في المجتمعات المهمشة وكذلك يساعد المتعلمين الذين لديهم مشاكل في الأداء الأكاديمي من خلال إعادة استخدام المحاضرات والاطلاع عليها أكثر. بالإضافة إلى ذلك يعتبر تسجيل المحاضرات وتسهيل الوصول إليها إحدى الطرق المتبعة في تقليل الفاقد التعليمي.
7- أدوات التقييم عن بعد (التقييم البديل)
لقد تم رصد مجموعة من الممارسات الجيدة في استخدام استراتيجيات التقييم البديل في التعلم عن بعد في حالات الطوارئ والتي اشتملت على التقييم الذاتي، تقييم الأقران بالإضافة إلى ملف الإنجاز الإلكتروني من حيث الاستفادة من الخدمات المجانية التي تقدمها بعض المنصات للمتعلمين لإنشاء ملف إنجاز إلكتروني والذي يخضع لتقييم الأقران والمدرس. إن الاستمرار في استخدام هذه الإبداعات والابتكار في طرق وأدوات التقييم في الوضع الطبيعي القادم سيؤدي إلى الاستمرار في تشجيع الطلبة على المشاركة والانخراط في الأنشطة التعليمية في الوضع الطبيعي القادم.
الخلاصة
كانت عملية التعلم عن بعد في حالات الطوارئ فرصة ذهبية لتجربة التعلم الإلكتروني وتوظيف التكنولوجيا في كافة المؤسسات التعليمية،و بغض النظر عن الجانب المظلم لجائحة كورونا إلا أنه كان هناك جانب مشرق ومبشر في ابتكار استراتيجيات متنوعة والتكيّف معها من أجل استمرار العملية التعليمية التعليمية. هذه الابتكارات والتكيّف لا يمكن الاستغناء عنه في مرحلة الوضع الطبيعي القادم ما بعد جائحة كورونا، بل بالعكس الأصل الاستفادة من التجارب الناجحة والابتعاد عن تكرار الأخطاء وتقليل المعيقات التي ظهرت بصورة مفاجئة في مرحلة تطبيق التعلم عن بعد في حالات الطوارئ من أجل إنجاح التعلم عن بعد فيما بعد جائحة كورونا Next Normal.
References
كاتب المقال
د. زهير ناجي خليف
حاصل على دكتوراه في تكنولوجيا الأنظمة التعليمية وماجستير في التصميم التعليمي من الولايات المتحدة الأمريكية، يعمل محاضرا في جامعة النجاح الوطنية ومستشارا للتصميم التعليمي في عدة شركات. عضو هيئة التحرير في مجلة التكنولوجيا والمعرفة الالكانية. باحث في مجال دمج وتوظيف التكنولوجيا في التعليم العالي والعام. قام بنشر أكثر من 20 بحث في مجلات عالمية محكمة. نابلس، فلسطين.