توقيع كتاب “المأساويّ والسُّخريّ في الشّعر الأندلسيّ”.. في فرع اتحاد الكتّاب في دير الزور
عثمان الخلف
في بادرة تحمل دلالات عودة الحراك الثقافي في دير الزور ليأخذ مدى أوسع، احتضن فرع اتحاد الكتّاب العرب بالمحافظة مساء الخميس حفل توقيع كتاب “المأساوي والسُّخري في الشعر الأندلسي – عصر الدولة الأمويّة” للدكتور قاسم القحطاني.
الحفل يقوم به فرع الاتحاد لأول مرة – ما بعد تحرير المدينة من تنظيم “داعش” الإرهابي – وكان سبقه منذ عامين حفلٌ احتضنته غرفة تجارة دير الزور لتوقيع رواية من أعمال الأديبة أماني المانع.
يسعى الباحث القحطاني في هذا الكتاب إلى الكشف عن مدى تجلّي القيمتين الجماليّتين: المأساويّ والسّخريّ في الشّعر الأندلسيّ في عصر الدّولة الأمويّة.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية مهّد للبحث بالوقوف عند أهمّ الملامح العامّة لبيئة قرطبة الطّبيعيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة في عصر الدّولة الأمويّة حسب أستاذة النحو بجامعة الفرات الدكتورة بدور عبد الرحمن الزيّات والتي جاء حديثها في حواريّة تضمنها حفل توقيع الكتاب، لافتةً إلى أن الكتاب جاء في فصلين استقلّ كلُّ فصل منهما بدراسة قيمة جماليّة، مهّد فيه أولاً بتأسيس نظري للقيمة في تاريخ الفكر الجماليّ، وانتقل بعده إلى دراسة تجلّيات هذه القيمة في الشّعر الأندلسيّ في عصر الدّولة الأمويّة.
وقد درس الباحث في الفصل الأوّل من هذا الكتاب مفهوم المأساويّ في الشّعر الأندلسيّ في عصر الدّولة الأمويّة، وفيه وجد أنّ الأندلسيّين في هذا العصر مرّت بهم النّكبات، وعانوا من المآسي، وكان منها ما هو فرديّ خاصّ، وما هو جماعيّ عامّ، وقد صوّر الشّعراء الأندلسيّون في أشعارهم في هذا العصر هذه النّكبات والمآسي، وكان أبرزُها على المستوى الفرديّ مأساتي الموت والسّجن، وعلى المستوى الجماعيّ مأساةَ سقوط قرطبة.
وظهر للباحث في تصوير الأندلسيّين مآسيَهم أنّ الموت أقلق الشّعراءَ في ذاك العصر، وأحزنهم، فرثوا أنفسَهم ورثوا الآخرين، وجاء تصويرُهم مأساةَ الموت، من خلال رثائهم أنفسَهم، امتداداً لشعر رثاء النّفس في الشّعر العربيّ، واتّسم بالصّدق والتّعبير عن إحساس عميق بالخوف من الموت.
وإلى جانب تصوير مأساة الموت في شعر هذا العصر كما تُشير الزيّات، تجلّت واضحةً مأساةُ السّجن الّتي عانى منها عدد من الشّعراء، وجاء تركيز النّصوص على تصوير هذه المأساة انعكاساً طبيعيّاً للحياة السياسيّة والاجتماعيّة التي عاشها الأندلسيّون في عهدين كانا من أكثر العهود الّتي قاسى فيها النّاس مرارة السّجن، وهما عهد الحاجب المنصور، وعهد الفتنة البربريّة.
ولم يقتصر تصوير الشّعرُ الأندلسيّ على مآسيَ الإنسان الفرديّة الخاصّة، بل صوّر كذلك مأساة السّقوط، وهي أقسى مأساة جماعيّة عامّة حلّت بقرطبة وبأهلها، فقد سقطت هذه المدينة وسط سيول من الدّماء، وفي خضمّ جثث القتلى وأشلاء ضحايا الفتنة، ولا عجب أن يجد هذا السّقوط الذّريع صداه في شعر المرحلة وأن يبكي الشّعراء مدينتهم، الّتي طالما أحبّوها، وأن يذرفوا الدّموع الغِزار على مرابعها، بعد أن صارت خرائب، وأن ينعوا المدينة الّتي ظلّت عاصمة الأندلس، ما يربو على ثلاثة قرون.
واستعرضت الزيات الفصل الثاني من كتاب القحطاني الذي تحدث عن مفهوم السّخريّ في الشّعر الأندلسيّ في عصر الدّولة الأمويّة، وفيه ظهر أنّ الشّعراء الأندلسيّين في هذا العصر، قد اتّخذوا السّخرية سلاحاً فعّالاً في مواجهة القبح، وكلّ ما هو شاذّ ومنحرف عن طبيعة الإنسان السّويّة، في الشّكل والفعل والخُلق، وعبّروا من خلال شعرهم عن رفضهم لذلك كلّه.
مشيرةً إلى أن الباحث القحطاني كشف عن أن الشّعر الأندلسيّ السّاخر في عصر الدّولة الأمويّة كان من الموضوعات البارزة، وتبينت من خلاله مواقف عدد من الشّعراء من المجتمع ومن تصرّفات عدد من الأفراد، عبّروا فيها عن رفضهم العلاقات الاجتماعيّة الفاسدة، وسخروا من حالات فرديّة سخرية انزلقت منـزلق الهجاء أحياناً ولم تكن مواقفهم هذه، مواقف شخصية اتّخذها أصحابها لحالات فرديّة، إنّما عامة.
ولفتت الزيات لدقّة التّقسيم والتّبويب والتّفصيل، ووضوح الفِكَرة وغناها وتنوّعها، ناهيك بضبط الشّواهد الشّعريّة لفظاً ووزناً ونسبةً و التّعريف بأعلام الرّجال والمواضع، ما يُعطينا دلالة على أنّ الباحث متمكّن من أدواته وقادرٌ على توظيفها توظيفاً حسناً يعينه على قراءة النصوص والتعامل معها، لنقول في نهاية المطاف: إنّه قد وُفِّق في خدمة تراثنا العربيّ.
مؤلف الكتاب الدكتور القحطاني أشار إلى أن دراسة الشعر الأندلسي هي دراسة شاقة ، لذا كان لابد من الاهتمام بمرحلة محددة منه ، وبما هو جوهري فيها لذا جاء ليتناول تلك المرحلة كدراسة جماليّة ويتخذ من المقولتين الجماليتين ( المأساوي والسُّخري ) ميداناً للبحث والتطبيق ، إذ كان متوقعاً أن هذا الشعر في تلك المرحلة قد تمكن خلال أكثر من مئتين وثمانين عاماً من تأصيل مفهوماته الجماليّة وقيمه الفنيّة.
يذكر أن الكتاب يقع في 334 من ضمنها الفهرس وثلاثة ملاحق ، صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ، والباحث الدكتور القحطاني يشغل عضوية الهيئة التدريسية بجامعة الفرات، حاصل على شهادة
الدكتوراه في الشعر الأندلسي من جامعة دمشق وهذا عمله الثاني بعد كتابه المعنون ( ابن فُركّون الأندلسي شاعر غرناطة ) الصادر في العام 2010 عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، إضافة لمجموعة من الأبحاث والدراسات المنشورة في الدوريات المُحكمة .
صحيفة تشرين