شارات مسلسلات الأطفال .. جُرحُ الزَّمان وحَنينُنا المُضني
بديع منير صنيج
شائعٌ جداً الحنين إلى ألبوم الصور، أو مفاعلات الحنين التي تُحدِثُها أغنية أو مجرد لحن في تأجيجها للذكريات، لكن ما يحصل عندما نستمع إلى شارة مسلسل من مسلسلات الأطفال، هو تثوير الحنين بكل أبعاده، وكأنه من النَّوع المُركَّب، نستعيد معه أطيافاً من الزمان والمكان والحكاية، ويصبح الشعور حينها أشبه ببركان مع كل كلمة ومع كل صوت أو جملة لحنية، ليبدو الأمر في النهاية أقرب إلى استرجاع حياة كاملة، أو اقتناصها من سيرورة الماضي، ووضعها في صيغة سحرية أمام مخيال مستمر لا يعبأ بقوانين الزمن الفيزيائية، ولا بكيمياء الوقت التقليدية، إذ له تفاعلاته الخاصة التي تُعيدك طفلاً ولو كنت في الأربعين، بعد أن تخلق فضاءها الخاص المعجون بالمحبة والنُّبْل والجَمال والقيم النبيلة، وكل ما نفتقده في حاضرنا التراجيدي، بحيث تُصبح شارات مسلسل الأطفال أشبه بجرس يُحذِّرُنا من خساراتنا المتكررة والمُزمنة.
تكفي جملة من مثل «ما أحلى أن نعيش في حُبٍّ ووئام» ضمن شارة مسلسل «سنان» (كلمات زهير الدجيلي، ألحان وتنفيذ حسين قدوري) لأن يصفعنا الحنين ويهزّنا من جذورنا، بعد الخراب الحاصل في الذائقة، وبحكم انتشار «فضائيات الإساءة» لكل ما هو جميل في الطُّفولة، وتستطيع مقدمة مسلسل «الفتى النبيل»، التي تقول «لو جفّتِ الغدران.. لو ذابت الشطآن.. لو ماتت الألوان.. سيظل الأمل في قلبي أبداً»، أن تُنعِشَ الكثير من خلايا أرواحنا الميِّتة بفعل الخذلانات والمرارات، وخاصة بعد صرخة «إنسان أنا إنسان» التي تختم بها، كما أن استماعنا إلى مقدمة شارة «الليدي أوسكار» يُعيد إلينا ذكرياتنا مع الغزل، وبدايات الشِّعر الصافي، فهل هناك من رهافة أكثر من التَّغزُّل بـ«فارسةُ الفُرسان» عندما نقول: «أفقٌ عيناها.. فاتنةُ الشُّجعانْ.. كلٌّ يهواها.. بصوتِها أحلى الكلام.. بصمتها لحنُ الكلام.. أفعالُها حدّ الحسام.. للحقِّ لا تخشى الملام»؟. ثم من يستطيع أن يسمع أغنية مسلسل «ساسوكي» من دون أن تنتفض عروقه بالعزيمة، رافضاً الكسل والاستسلام لما آلت إليه حالنا، بحيث نستطيع أن نقول عنها إنها شارة تثويرية حماسية، فهي أشبه ببيان يحضّ على المحبة والتعاون في مواجهة الكراهية «قُمْ ضَعْ يدك في يدي.. قُمْ نحمي غدك وغدي.. نفتدي أرضنا بالدماء نفتدي.. نقضي على الشرور وننشر السلام.. نحيا بزهو وسرور بحب ووئام…».
التراجيديا كانت لها حصتها في طفولتنا، فهل هناك من ظُلمٍ ومأساة أكثر مما عاشته «سالي» تلك الطفلة المظلومة؟! لذلك كانت تلك الشخصية مثالاً خاصاً بنا عن الفادي بصيغة كرتونية محببة، تتحمل كل الشرور بقلب صافٍ ونُبلٍ قلّ نظيره، ولعل كلمات شارة هذا المسلسل كفيلة بأن تجعل الدموع تنهمر وحدها لدى كثيرين، ففيها مع اللحن من قوة تصوير الحالة الكثير «أنا قصة إنسان، أنا جرح الزمان أنا سالي سالي.. أعيش في حنين لوقع المطر.. لضوء القمر.. ورسم المصير.. يا نور الأمل الطالع.. بدل أحزان العمر.. كي نلمح نور الفجر.. كي نحلم مثل الزهر»، يا إلهي ما أقوى تعبير «أنا جرحُ الزمان»؟! تخيلوا ذاك الجُرْحُ مُجسداً بطفلة بريئة، هل هناك أقسى من ذلك؟ وهل ثمّة مأساة كالتي عاشتها «سالي» لا تترك أثراً بليغاً في تكويننا النَّفسي، نحن الذين عايشنا تفاصيل ظلمها وحرمانها من أبسط حقوقها؟
لكن في مقابل تلك التراجيديا ثمة أفراح كثيرة في طفولتنا ومسلسلاتها، ولعل أبلغ مثال عليها هي شارة مسلسل «لحن الحياة» والكورال الذي يغنيها، ومجرد الاستماع إليها، كفيلٌ بإحياء الأمل في قلوبنا المتعبة، لذا دعوني أختم سيرورة هذا الحنين بهذا المقطع: «في الدروب هيا نغني، في المسارح والساحات.. في الحقول هيا نغني، ينطلق لحن الحياة.. هيا للأفق البعيد، ننشد اللحن الجديد.. فوق أسراب الغيوم، نُهدي أقماراً ونجومْ.. صوتُنا ملء الفضاء، لم يزل فينا الوفاء.. سوف تبقى يا غناء.. لنغني لحن الحياة».
صحيفة تشرين