مقامة اجتماعية  بعنوان ” الحلاّق “

مقامة اجتماعية  بعنوان ” الحلاّق ”
بقلم الدكتور ياسر عاجوقة ” للمهتمين فقط ”

حدّثنا بسّام بن طلال فقال :

لمّا رجعت من السفر ُمنهك البدن والحال ْ فوجدت شَعري قد استرسل َ وطال ْ ، فذهبت إلى جاري الحلاق ْ الذي يشكو من الفاقة والإملاق ْ ، وقلت في نفسي جرّبه ونفّعه هذه المرّة ولم أدر ِ أنه ستصيبني منه معرّة وستنكسر في رأسي ” الجرّة ” …!!!

فدخلت إلى محله مسرعا ووجدت نفسي على الكرسي قابعا ، ذلك قبل أن يسبقني إليه أحد ْ فليس لي على الإنتظار من جَلَد ْ .
ثم راح ذلك الحلاق يحدّثني عن البعد عن زوجته والفراق وكم هو متلهّف ٌ للقائها ومشتاق وحول مشاكله أحسست عليه بداية ً بالاشفاق ْ ، لكن بعد حديث ٍ طويل ْ لم يهدأ فيه إلا قليل ْ ، وهو ُيلوّح في وجهي بالمقص ْ وكأنّه سيّاف يريد مني أن يقتص ْ …

انتفضت ُ واقفا وله معنّفا :
يا هذا مالي ومالك ولماذا تحمّلني همومك وأثقالك ؟!
هل هذا شغل أم هراء ْ ضربة مقص في رأسي وعشرة في الهواء ْ ؟!
وفجأة نظرت إلى المرآة فكانت الصدمة بعدها لم أر َ في عيني سوى ظلمة …
فقلت له يا هذا : سوّد الله وجهك وصبّرني على جهلك ، انظر ْ الى شعري كيف صار ْ من أجل أن تسمعني قصة حياتك مع الحوار ْ ، وكأنك تروي لي قصة ذلك البطل المقداد ْ : عنترة ابن شدّاد ْ…
ياعافاك الله أتحلق أنت لإنسان ٍ أم لخروف ْ ؟!
وما هذه الصفوف والحروف ْ كأنها مدرجات ورفوف ْ ؟!
بعد ذلك لم أستطع الوقوف فخرجت من عند ذلك الحلاق وعيون الناس تنصبُّ جميعا ً على رأسي فتمنيت لو لقيت حتفي وأرحت ُ نفسي ..

وفي اليوم التالي وريثما هدأت قليلا أعصابي واستقرت أحوالي ، ذهبت إلى حلاق آخر ْ والذي بأخطاء زميله قد جاهر ْ ، وقام بحلاقة شعري على الصفر ْ مزيلا ً أي نقش ٍ به أو حفْر ْ ، فخرجت ُ من عنده مثل طفل ٍ وليد ْ قد خلق َ من جديد ْ …

⚠️ملاحظة : هذه المقامة تعد باكورة كتاباتي النثرية بأسلوب السجع ، وقد كتبتها عندما كنت في الصف التاسع في بداية ثمانينيات القرن الماضي ، أحببت أن اطلعكم عليها وارسم بها البسمة على وجوهكم …

د.ياسر عاجوقة