من هو الطرف – الليبي- الذي لا يريد الانتخابات؟
20-10-2021
مها سلطان
من هو هذا الطرف -الداخلي أو الخارجي- الذي لا يريد أن تجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا؟
لا جواب!
الجميع متهم.. والجميع يتبرأ.. وهكذا تتجزأ المحطات -التي يُفترض بها أن تكون مفصلية على طريق الحل والتسوية في ليبيا– إلى فواصل زمنية تعيد البلاد في كل مرة إلى المربع الأول.
تجزيء المحطات
في آذار الماضي كانت الآمال كبيرة بنهاية عام سعيدة، كونه تم الاتفاق على خريطة طريق واضحة المعالم والمواعيد والأهداف، لناحية إنجاز انتخابات رئاسية وبرلمانية توحد البلاد تحت سقف وطني واحد وصولاً لأن يكون معترفاً بها دولياً.. ومع إنجاز الشق السياسي من التسوية يكون الليبيون قد قطعوا نصف الطريق، وبما يضمن لهم إلى حد كبير قطع النصف الثاني المتمثل في الشق العسكري.
هذه المحطة الانتخابية تجزأت إلى محطات، لتعكس عمق الانقسامات بين الأطراف الليبية من جهة، وداخل كل طرف من جهة ثانية، وهو ما نشهده مؤخراً داخل حكومة عبد الحميد الدبيبة المنوط بها تنفيذ خريطة الطريق الخاصة بالمسار السياسي، أي الانتخابات، لتكون مهمة الحكومة التي تعقبها (بعد الانتخابات) تنفيذ خريطة الطريق الخاصة بالمسار العسكري.
ما جرى منذ أيام هو انقسام حكومة الدبيبة على نفسها، بين رئيسها، ونائبه الأول حسين القطراني، حتى لم يغدو حديث في ليبيا سوى الحديث عن خلافاتهما والأوامر المتناقضة التي يصدرها كل منهما، ليكون مصيرها في نهاية المطاف التجميد أو التأجيل بانتظار حل الأزمة بينهما.
يُضاف إلى هذا طبعاً الخلافات بين حكومة الدبيبة وما يُسمى بالطرف الشرقي، خصوصاً مع البرلمان ورئيسه عقيلة صالح الذي ينافس على رئاسة البلاد.. وبغض النظر عن الاتهامات التي تفيض من كل طرف ضد الآخر، عادت حلقة التشاؤم لتتصدر المشهد، ولكن –للحقيقة– ليس كما كانت عليه قبل آذار الماضي والاتفاق على خريطة الطريق آنفة الذكر.. ففي كل منعطف سلبي يكون هناك ثغرة ينفذ منها بعض التفاؤل، وحسب ما يقوله الليبيون فإنه مهما استحكمت واستعصت الخلافات فهناك ما هو إيجابي مما يمكن البناء عليه، فقد تم إنجاز قضايا مهمة منذ بداية هذا العام، وآخرها كان الأسبوع الماضي مع الاتفاق على خريطة طريق لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة والمجموعات المسلحة من ليبيا.
«مؤتمر استقرار ليبيا»
بكل الأحوال، ووسط استحكام الخلافات مجدداً في الميدان السياسي، خرجت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش بمبادرة جديدة «على أمل تجنب مزيد من الانقسامات التي من شأنها عرقلة المسار السياسي» كما تقول، مضيفة: إن الهدف أيضاً هو «التأكيد على احترام سيادة ليبيا واستقلالها ومنع التدخلات الخارجية السلبية.. وأن تعود البلاد إلى ساحة المنافسة الاقتصادية».
المبادرة تأتي على هيئة مؤتمر سيُعقد غداً الخميس تحت عنوان «مؤتمر استقرار ليبيا» ويتناول مسارين وفق ما أعلنت المنقوش. المسار الأول، أمني عسكري مرتبط بملف المرتزقة وإخراجهم من البلاد، وفق جدول زمني يستمر إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، لكن مع الالتزام بتطبيقه لضمان توحيد المؤسسة العسكرية، ومنع التدخلات الأجنبية السلبية، فضلاً عن دعم مسار العملية السياسية، والالتزام بالجدول الزمني المُعلَن لإجراء الانتخابات الرئاسية في 24 كانون الأول المقبل، وبعدها الانتخابات البرلمانية.
أمّا المسار الثاني، فاقتصادي، ويتمحور حول استمرار التعاون بين الدولة الليبية والمؤسسات الدولية، وتعزيز الاستثمارات، وإعادة الأنشطة، مع توفير بيئة عمل آمنة ومستقرة، بالتنسيق مع البعثة الأممية ومصرف ليبيا، الذي تتسارع خطوات توحيده.
متفائلون ومتشائمون
فريق واسع من الليبيين، ومعهم مراقبين محللين، يرى أن «النتائج التي سيخرج بها المؤتمر هي التي ستحدد المسار الذي يمكن أن تدخله الأوضاع في ليبيا» لماذا؟.. لأنه كما يقولون هو أرفع حدث يتم تنظيمه داخل ليبيا منذ سنوات فهو على مستوى وزراء الخارجية (وإن كان غير معلن بعد من هم هؤلاء الوزراء) وهذا أمر مهم للغاية.. وللقول: إن «البلاد لديها حكومة بالفعل تمارس عملها بشكل شرعي وقانوني من دون التأثر سلباً بقرار سحب الثقة منها من قبل البرلمان».
هؤلاء متفائلون، مقابل فريق آخر يرى أن كل الأمور تسير في اتجاه عدم إجراء الانتخابات في موعدها، بمعنى تأجيلها مجدداً، ومن هؤلاء الدبيبة نفسه، على رغم تأكيد مفوضية الانتخابات العليا مجدداً أمس الثلاثاء أن «لا نية لتأجيل الانتخابات» وأنها «قادرة على إجرائها من دون أي مشكلات» فهي كما تقول مدعومة على جميع المستويات ومن جميع الأطراف في الداخل ومن الأطراف الدولية.
ويخشى الليبيون هنا أن يقود التأجيل إلى إبقاء الوضع على ما هو عليه، أي التمديد لحكومة الدبيبة، بمعنى أن المسؤولين الليبيين الحاليين من مصلحتهم إبقاء الوضع على ما هو عليه في ظل أن القادم لا يبدو في مصلحتهم، ويشير محللون ليبيون إلى ما يسمونه «بنوداً خبيثة» في قانون الانتخابات، خاصة البند الذي يتحدث عن أن الانتخابات لا يمكن أن تتم بشكل شفاف في هذه المرحلة حيث إن «الضبابية» تسيطر على المشهد.
المؤتمر.. ومن سيحضره؟
لا شك أن المؤتمر المزمع انعقاده سيشهد حضوراً أوروبياً موسعاً، بدليل لقاء المنقوش مع جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمنية عشية انعقاد المؤتمر، وبالتزامن مع انطلاق مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي في لوكسمبورغ.. بوريل أعرب مجدداً عن «استعداد الاتحاد الأوروبي لمرافقة ليبيا في طريقها نحو الانتخابات». وهذا ما يُعد دعماً أوروبياً واضحاً للمؤتمر ولحكومة الدبيبة.
الحضور الأممي مفروغ منه وكذلك حضور الجوار، ويبقى من سيحضر من خارج هؤلاء، هذا مهم لدرجة كبيرة، لأن له دلالة واضحة حول ما يُقال عن أن هذا المؤتمر سيكون مؤشراً أساسياً للمسار الذي يمكن أن تدخله الأوضاع في البلاد لناحية استقرار التسوية على انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية هذا العام، أو لناحية التأجيل واستحكام الخلافات والانقسامات.
لنذكر هنا أنه كان من المفترض أن يقوم رئيس النظام التركي رجب أردوغان بزيارة ليبيا خلال الأيام الماضية، وتم تأجيل الزيارة من دون إعلان الأسباب، لكن المتابع لا يحتاج لإعلان الأسباب في ظل أن مرحلة ما بعد «فايز السراج» بالنسبة لتركيا ليست كما قبلها، فهناك ضغوط كبيرة لإلغاء الاتفاقيات العسكرية التي وقعها السراج مع أردوغان، فضلاً عن أن مسألة التدخل التركي العسكري في ليبيا تثير بالأساس توتراً مستمراً على الساحة الليبية.. فإذا ما كان لتركيا حضور في مؤتمر استقرار ليبيا، فهذا سيكون مؤشراً بارزاً لا بد من متابعة تفاصيله ونتائجه وتداعياته اللاحقة.
وهكذا يمكن لكل حضور في هذا المؤتمر أن يكون مؤشراً لأمر ما، أو لتطور ما، في المرحلة المقبلة، ومن هنا -ربما- تأتي أهميته.. ولا نملك هنا إلا أن ننتظر مع الليبيين انعقاد هذا المؤتمر وما سيخرج عنه.. وبعدها يكون لكل حادث حديث.
صحيفة تشرين